الْغُــــــــــرْبَة والغــــــــروب
نَشْعُر أَنَّ شَيْئًا يُرْبَط بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِنْ حُدُودِ الْجِنَاس وَلَا نَدْرِي أَنَّ كَانَ ذَلِكَ
بِسَبَبِ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَعْنِي حُلُول الظَّلَام أَم لِأَنَّ الْغُرُوبَ يَعْنِي أَشْجَان الْكَوْن حِين تَرْحَل الشَّمْسِ عَنْ نِصْفِهِ إلَى النِّصْفِ الْآخَرَ لِيَبْقَى الْجَانِب الْمُظْلِم عَلَى أَمَلِ عَوْدِه الشَّمْس إلَيْه ثَانِيَة . والغربة تَحْمِلُ فِي أعْماقِهَا الْأُمّ الْوَدَاع وَأَمَال اللِّقَاء . وَحَوَّل الْغُرْبَة وَجَوْهَرُهَا نَطُوف كآلاف قَد خَلَوْا فَطَافُوا حَوْلَهَا وتنفسوها هَوَاء مُحْتَرِقًا . . . وأخترقتهم فَكَانَت أَقْرَبُ إلَى شرايينهم مِن دِمَائِهِم . حَاوَلُوا أَن يصفوها فَلَمْ يَجِدُوا فِي الأبجديات مَا يُكَافِئ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَهِيب . أَن غُرْبَة تَسْكُنُهَا كغربة تسكنك ، فالغربة الَّتِي تَسْكُنُهَا تَأْتِي إلَيْهَا طَوْعًا حَامِلًا مَعَك أَمَل الْعَوْدَةِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ . وَأَمَّا الْغُرْبَة الَّتِي تسكنك فَهِي ك نَار تَسْكُن أوردتك فترحل مَعَك حَيْثُمَا رَحَلْت ، وَتَحِلّ مَعَك حَيْثُمَا حَلَلْت . . . وَدِمَاء تَسْرِي تَحْت جِلْدَك لَا هِيَ سَأَلْت فَوْق جَسَدِك وَأَيْقَن مِنْ حَوْلِك إِنَّك تَتَأَلَّم وَلَا هِيَ بَقِيَتْ فِي شرايينك لتعينك عَلَى الْحَيَاةِ . وَأَمَّا أَصْعَبُ مَا فِي الْغُرْبَةِ الَّتِي تسكنك أَنَّهَا تسكنك وَأَنْتَ بَيْنَ مَنْ تَأَمَّلَ أَنَّ لَا تَكُونُ قَرِيبًا مِنْهُمْ فَتُقْتَلُ فِي داخلك أَمَل الْهُرُوب مِنْهَا ، لِأَنَّهَا تَأْتِيَك إلَى حَيْثُ مِنْ الْمَفْرُوضِ أَنْ تَهَرَّب مِنْهَا ، فَتَكُون كالعصفور الْوَاقِف فوقَ النَّارِ وَهُوَ حَيٌّ لَا هُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَطِيرَ فَيَهْرُب مِنْ عَذَابِهِ وَلَا هُوَ يَمُوت فَيَسْتَرِيح مِنْ آلامه. وَالْغَرِيب بَيْنَ أَصْدِقائِهِ وَأَحَبَّتْه جَرِيحٌ وَأَخَفّ مِن عَصْف الرِّيح ، لَمْ يَقْتُلْهُ إلْيَاس وَلَمْ يَنْفَعْهُ الصَّبْر ، وَلَم يَتَسَلَّلُ إِلَى أَعْرَاقُه الْأَمَل .
إبداع
ردحذف